إن العلاج لكثير من مشاكلنا الإيمانية كالفتور والانتكاس والتردد والتذبذب وتخطف الفتن، يتمثل في شكر نعمة الله عز وجل .. وللشكر مقام عظيم يغفل عنه الكثير، ولا يقوم به إلا القليل .. ووالله إنه لسبب كل خير، فالنعم تزيد بالشكر وتحفظ من الزوال بالشكر، قال تعالى {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبّكم لَئِن شَكَرتم لَأَزِيدَنَّكم وَلَئِن كَفَرتم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم :7]
والشكر واجب من الواجبات التي تأثم على تركها .. قال تعالى {فَاذكرونِي أَذكركم وَاشكروا لِي وَلَا تَكفرونِ} [البقرة: 152] .. عندما يعطيك الله النعمة ولا تشكره عليها، فهذا ذنب لا ننتبه له.
وهو الغاية من الخلق .. قال تعالى {وَاللَّه أَخرَجَكم مِن بطونِ أمَّهَاتِكم لَا تَعلَمونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكم السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكم تَشكرونَ} [النحل: 78]
الشكر يكون بثلاث أمور:
1)الاعتراف بالنعم باطنًا .. 2) التحدث بها ظاهرًا .. 3) تصريفها فى طاعة الله.
وتمام الشكر بالعجز عن الشكر .. كما قال موسى عليه السلام "يا رب .. إن أنا صليت فمن قبلك، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن أنا بلغت رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك ؟" .. فقال الله تعالى لموسى : الآن شكرتني .
فعليك أن تعدِد نعم الله عليك حتى تستشعرها .. واجعل لذلك دفترًا تقيد فيه النعم وسمِّه كشكول النعم .. قال تعالى {وَإِن تَعدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لَا تحصوهَا ..} [النحل: 18]
الشاكر يرى كل شىء حوله نعمة، فكم نعمة ستكتب؟؟
فكم من نعمة أنت فيها ومغرور بها ولا تؤدي شكرها
[ltr]فمنا من هو مغرور بصحته ومنا من هو مغرور بماله ومن هو مغرور بعلمه [/ltr]
[ltr]فلا نؤدي شكر نعم الله عز وجل علينا [/ltr]
ففي بداية الأمر علينا الاعتراف بالنعمة كي نعرف نؤدي شكرها ولا نغتر بها
لا يكون مجرد كلام علي اللسان بل يجب أن يكون لها وزنها في قلبك .. ولابد أن يلهج لسانك بالحمد لله ومهما حمدت الله فلن تستطيع أن تحصي نعمه وتشكرها، وهذا هو الشكر أن تعجز عن الشكر ..
والشكر أيضًا يكون بأن تتحدث بنعم الله عز وجل عليك، حتى تحببه إلى قلوب عباده ..
فتعالوا نعدد بعض نعم الله تعالى علينا ..
نعمة الإسلام .. أعظم نعمة ..فلولا أحكام الشريعة والصلة مع الله من خلال الصلاة، لعاش الإنسان حياة مليئة بالضياع والعذاب ولصار عبدًا لشهواته .. لو استشعرت نعمة الإسلام حقًا، لن تعصي الله عز وجل ولسارعت بتنفيذ ما أمرك به .. ولذلك لا يشعر بها سوى من كان على غير ملة الإسلام ثم أسلم.
نعمة الصحة والعافية .. عن أبي بكر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ثم بكى فقال “سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية” [رواه الترمذي وصححه الألباني] ..
وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم لأن الناس لن تفهم الحكمة من الابتلاء وقد يصدهم هذا عن دينهم، على الأقل سيجعل بينك وبين الله فجوة، فتفتر ..لهذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله العفو لأن الذنب يجلب الابتلاء، وأن نسأله العافية لأننا لن نقدر على تحمل البلاء .. نسأل الله العفو والعافية.
نعمة الابتلاء .. فقد يكون هذا البلاء سببًا في رجوعك إلى ربك وطاعته، قال تعالى {..وَعَسَى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهوَ خَيرٌ لَكم وَعَسَى أَن تحِبّوا شَيئًا وَهوَ شَرٌّ لَكم وَاللَّه يَعلَم وَأَنتم لَا تَعلَمونَ} [البقرة: 216] ..
ولا يوجد أحدًا غير مبتلى، فعندما تبتلي انظر الي الأشد منك بلاءًا ليهون عليك بلاءك وتحمد الله ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من رأى صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء” [رواه الترمذي]
نعمة الرضا .. عندما يرزقك الله الرضا بما قسمه لك، سيخفف ذلك همّك وستجد بعد ذلك إن هذا البلاء كان خيرًا لك .. فكم في البلية من نعمة خفية.
نعمة التوبة .. ما أعظم أن يمنّ الله عليك بالتوبة وينجيك من وحل الذنوب والمعاصي، فتتغير حياتك ويبدلك الله خيرًا عن كل ما تركته لأجله سبحانه .. وكم من رسالة قد أرسلها الله عز وجل ليوقظك من الغفلة، سواءًا عن طريق آيات القرآن أو الرؤى أو المواقف التي تمر بها في حياتك فتنبهك موت صديق، تجارب الفشل والكرب، فتكون هذه النعمة سببًا في معرفتك بالله عز وجل وتجعلك أكثر قربًا من ذي قبل .. فالحمد لله كثيرا.
قال تعالى {وَإِن تَعدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لَا تحصوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18] ..
فمهما حاولنا أن نعدد نعم الله عز وجل علينا، لن نستطيع أن نحصيها كثرة .. فابحث عن هذه النعم وعددها واشكر الله عليها.
وإليك بعض الواجبات العمَليَّة لتحمَد الله على نعمه:1) كثرة حمد الله عز وجل .. قال أعرابيًا للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به، قال “قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله”[رواه البيهقي وحسنه الألباني] .. فإن لم تستطع أن تحفظ جميع صيغ الحمد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكفي أن تحمد الله علي ما وهبك من النعم ولكن مع ذكر النعمة حتي لا تكون مجرد كلمة نرددها على ألسنتنا .. وستجد أنك بدأت تتحدث بالنعمة وتشعر بها من داخلك فتحمد الله عليها. 2) كشكول النعم .. داوم على كتابة النعم التي تشعر بها تجاه ربك سبحانه وتعالي .. والهدف هو أن نحبب الله عز وجل إلى قلوب العباد.
3) التخلص من صفة الكنود .. قال تعالى {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنودٌ} [العاديات: 6] .. والكنود هو الذي يعدد المصائب وينسى النعم، كحال أغلب الناس الذين يعتقدون إن كثرة الشكوى ستقيهم من شر الحسد .. فإياك أن تعدد المصائب وتنسى النِعم.
4) إياك أن تنسب النعم إلى نفسك .. فيكون حالك كحال قارون، الذي {قَالَ إِنَّمَا أوتِيته عَلَى عِلمٍ عِندِي ..} [القصص: 78] .. فكان مصيره كما قال تعالى {فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَه مِن فِئَةٍ يَنصرونَه مِن دونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المنتَصِرِينَ} [القصص: 81]
5) تذكر إنك ستسأل عن كل هذه النِعم .. قال تعالى {ثمَّ لَتسأَلنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] .. فهذا سيدفعك لأن تشكر نعم الله عليك.
6) كثرة الدعاء بأن يجعلك الله شاكرًا له .. كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ قائلاً “فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” [رواه أحمد وصححه الألباني]
7) سجدة شكر .. النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر به خر ساجدًا شكرا لله تبارك وتعالى [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني] .. وهذه تكون سجدة حب، فتعدد نعم الله عليك وأنت ساجد لخالقك سبحانه، فتحمده عليها وتناجيه بها .. فتجعلك تقطع المسافات التي تفصل بينك وبين ربك وتدخلك رياض محبته جل وعلا.
ومن كنوز الشكر ..
1) الدافع المتجدد فى الطريق إلى الله .. قال تعالى {إِنَّا هَدَينَاه السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفورًا} [الإنسان: 3] .. فلن تستطيع أن تسير في الطريق ولن تتوافر لديك الطاقة المتجددة إلا بـالشكر .. العبد الشاكر الذي يشعر بقيمة النِّعمة طوال الوقت، هو الذي سيكون عنده طاقة متجددة دائمًا ليسعى فى كل خير .. أما الجاحد فلا يقدِّر نعمة الله عليه، مما يؤدي إلى إنقطاعه.
2) العمل الوحيد الذي أطلق الله جزاءه دون مشيئة .. فجزاء أي عمل من الأعمال يترتب على مشيئة الله سبحانه وتعالى، إلا الشكر فجزاءه يكون في الحال .. قال تعالى {.. وَسَيَجزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] .. {.. وَسَنَجزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 145] .. ولم يقل الله "إن شاء"، فلو شكرت ستحصل على الجزاء فى الحال .. فسبحان الله الشكور.
3) سبب رضوان الله .. قال تعالى {إِن تَكفروا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكم وَلَا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكفرَ وَإِن تَشكروا يَرضَه لَكم } [الزمر:7] .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليه أو يشرب الشربة فيحمده عليها" [رواه مسلم] .. فالهج دائمًا ب"الحمد لله" ولكن من قلبك .. فالحمد يرضي الله عز وجل عنك، ورضاه يؤدي إلي سعادتك في الدنيا وتمتعَك بالنعيم الذي ما بعده نعيم ورؤية الله عز وجل في الجنة.
4) يبلِّغك درجة المحبة .. استشعارك لنِعم الله عليك وتعدديها، سيزرع حب الله في قلبك .. فالله قد جبل النفوس على حب من أحسن إليها.
5) يحفظك من العذاب في الدنيا والآخرة .. قال الله تعالى {مَا يَفعَل اللَّه بِعَذَابِكم إِن شَكَرتم وَآَمَنتم وَكَانَ اللَّه شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147].. فالله سبحانه وتعالى لن يعذبك طالما قد شكرت نعمته وآمنت به، بل وسيشكرك الله عز وجل على خطواتك التي تخطوها في طريقه … وقد قدم الشكر على الإيمان، لإنك لن توفق للإيمان بدون شكر.
6) يعالجك من الانتكاس والفتور .. قال الله تعالى {.. وَمَن يَنقَلِب عَلَىَ عَقِبَيهِ فَلَن يَضرَّ اللّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144] .. فلو شكرت لن تنقلب ولن تكون مترددًا.
7) أمان من كيد الشيطان .. أخبر سبحانه وتعالى أن من مقاصد إبليس أن يمنع العباد من الشكر {ثمَّ لَآَتِيَنَّهم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم وَلَا تَجِد أَكثَرَهم شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] .. فكأنه ذكر الداء والدواء .. الداء: هو جحود النعمة والدواء: هو الشكر .. فالشكر يحفظك من الشيطان.
من أراد أن يكون من صفوة خلق الله في الأرض فعليه بمزيد الشكر .. فالله وصف الشاكرين بأنهم قليل من عباده { .. وَقَلِيلٌ مِّن عِبَادِيَ الشَّكور} [سبأ :13] .. فهؤلاء هم الصفوة. فهيا تميز عند ربك وكن من القليل .. واجعل لك من الاّن حظ من هذا المقام العظيم حتى لاتحرم من هذه الكنوز.
خذ ما أتيتك وكن من الشاكرين .. كن دائمًا أبدًا شاكرًا لأنعم الله،،
فاللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله،،